فصل: طوغان الدوادار

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


ثم رسم السلطان بهدم البيوت التي هي ملاصقة للميدان من مصلاة المؤمني إلى باب القرافة فهدمت بأجمعها وصارت خرابًا‏.‏

ثم أمر السلطان بالقبض على أقارب جمال الدين يوسف الأستادار وعقوبتهم فأمسكوا وعوقبوا عقوبات كثيرة‏.‏

ثم خنق أحمد ابنه وأحمد ابن أخته وحمزة أخاه في ليلة الأحد سادس ثم كتب السلطان ثانيًا إلى الأمير شيخ يخوفه ويحذره ويأمره أن يجهز الأمير يشبك العثماني وبرد بك وقاني باي الخازندار ويرسل سودون الجلب إلى دمشق ليكون من جملة أمرائها‏.‏

ثم بعد إرسال الكتاب تواترت الأخبار باتفاق شيخ ونوروز على الخروج عن الطاعة وعزما على أخذ حماة فوقع الشروع والاهتمام لسفر السلطان إلى البلاد الشامية وكتب إليها بتجهيز الإقامات‏.‏

ثم تكلم الأستادار فخر الدين بن أبي الفرج مع السلطان وحسن له القبض على الوزير ابن البشيري وعلى ناظر الحاضر ابن أبي شاكر فلما بلغهما ذلك بادرا واتفقا مع السلطان على مال يقومان به للسلطان إن قبض على فخر الديم ابن أبي الفرج المذكور فمال السلطان إلى كلامهما وأمسك فخر الدين المذكور في سلخ جمادى الآخرة وسلمه للوزير ابن البشيري فلم يدع ابن البشيري نوعًا من العقوبات حتى عاقب ابن أبي الفرج المذكور بها فلم يعترف بشيء غير أنه وجد له ستة آلاف دينار وجرار كثيرة قد ملئت خمرًا واستمر ابن أبي الفرج في العقوبة أيامًا كثيرة‏.‏

ثم في شهر رجب نزل السلطان من القلعة إلى الصيد فبات ليلة وعزم على مبيت ليلة أخرى سرياقوس فبلغه أن طائفة من الأمراء والمماليك اتفقوا على قتله فعاد إلى القاهرة مسرعًا وأخذ يتتبع ما قيل حتى ظفر بمملوكين عندهما الخبر فعاقبهما في ثامن عشر شهر رجب المذكور فأظهرا ورقة فيها خطوط جماعة كبيرة كبيرهم الأمير جانم من حسن شاه نائب طرابلس - كان - وهو يوم ذاك أمير مجلس‏.‏

وكان جانم المذكور قد سافر قبل تاريخه إلى منية ابن سلسيل وهي من جملة إقطاعه فندب السلطان الأمير بكتمر جلق والأمير طوغان الحسني الدوادار لإحضار جانم المذكور‏.‏

وخرجا في يوم السبت عشرين شهر رجب على أن بكتمر جلق يسير في البر ويمسك عليه الطريق وطوغان يتوجه إليه في البحر ويمسكه ويحضره إلى السلطان فساروا‏.‏

ومسك السلطان بعد خروجهما جماعةً كبيرةً من الأمراء والمماليك الظاهرية منهم‏:‏ الأمير عاقل والأمير سودون الأبايزيدي‏.‏

وأما

 طوغان الدوادار

فإنه سار في البحر حتى وافى الأمير جانم واقتتلا في البر ثم في المراكب حتى تعين طوغان على جانم فألقى جانم نفسه في الماء لينجو فرماه أصحاب طوغان بالنشاب حتى هلك وأخذ وقطع رأسه في ثاني عشرينه‏.‏

وقدم طوغان على السلطان في رابع عشرينه‏.‏

وكان السلطان قد مسك في يوم ثاني عشرينه في القاهرة الأمير إينال الصصلاني الحاجب والأمير أرغز والأمير سودون الظريف وجماعة من المماليك الظاهرية‏.‏

ثم قبض السلطان في يوم ثالث عشرينه أيضًا على الأمير سودون الأسندمري أحد أمراء الألوف وأمير آخور ثاني وعلى الأمير جرباش العمري رأس نوبة وأحد أمراء الألوف أيضًا‏.‏

ثم خامس عشرينه قبض السلطان على جماعة من أكابر المماليك الظاهرية ووسط منهم خمسة فنفرت القلوب منه ووجد شيخ ونوروز للوثوب عليه سبيلًا لكمين كان في نفسهما منه‏.‏

ثم خلع السلطان على منكلي أستادار الخليلي باستقراره أستادارًا عوضًا عن فخر الدين بن أبي الفرج‏.‏

ثم كتب السلطان للوالد بالقبض على الأمير يشبك بن أزدمر أتابك دمشق وعلى إينال الخازندار وعلى برد بك الخازندار وعلى برد بك أخي طولو وعلى سودون من إخوة الأتابك يشبك وعلى تنبك من إخوة يشبك أيضًا والفحص عن نكباي الحاجب فإن وجده من جملة المنافقين فليقبض عليه ويعتقلهم‏.‏

وسار البريد للوالد بذلك‏.‏

وبعد خروج البريد بذلك ذبح السلطان في ليلة الأربعاء - مستهل شعبان - عشرين مملوكًا ممن قبض عليهم‏.‏

ثم وسط من الأمراء في يوم الأربعاء ثامنه عشرة أخر تحت القلعة منهم‏:‏ الأمير حرمان نائب القدس والأمير عاقل وأرغز أحد أمراء الألوف بدمشق والأمير سودون الظريف والأمير مغلباي والأمير محمد بن قجماس‏.‏

وفي ليلة الأربعاء المذكورة قتل السلطان أيضًا بالقلعة من المماليك الظاهرية زيادة على مائة مملوك من الجراكسة من مماليك أبيه‏.‏

ثم ركب سحر يوم الخميس إلى الصيد بناحية بهتيت - من ضواحي القاهرة - وأمر والي القاهرة أن يقتل عشرة من المماليك الظاهرية لتخلفهم عن الركوب معه فقتلوا‏.‏

وعاد السلطان من الصيد بثياب جلوسه وشق القاهرة وهو سكران لا يكاد يثبت على فرسه من شدة سكره ومر في أقل من مائة فارس وسار على ذلك حتى طلع القلعة نصف النهار‏.‏

وفي شعبان هذا ابتدأ بالوالد مرض موته ولزم الفراش بدار السعادة وقد لهجت الناس أن الملك الناصر قد اغتاله بالسم فإن كان ما قيل حقيقة فقد التقيا بين يدي حاكم لا يحتاج إلى بينة‏.‏

وسبب ذلك - على ما قيل - عم مسك الوالد للأمير شيخ ونوروز لما دخلا عليه بدار السعادة بدمشق وأيضًا أنه لما أمره بمسك من تقدم ذكرهم فأمسك منهم جماعة وأعلم يشبك بن أزدمر بالخبر ففر إلى جهة شيخ ونوروز وأشياء غير ذلك‏.‏

ولكن حدثتني كريمتي خوند فاطمة زوجة الملك الناصر المذكور بخلاف ذلك وهو أنه لما قدم عليه الخبر بمرضه صار يتأسف ويقول‏:‏ إن مات أبوك تخربت مملكتي‏.‏

وبقي كلما ورد عليه الخبر بعافيته يظهر السرور وكلما بلغه أنه انتكس يظهر الكآبة وأنه ما أخذها صحبته في التجريدة ثم إن السلطان نادى في أول شهر رمضان من سنة أربع عشرة وثمانمائة بالقلعة بالأمان وأنهم عتقاء شهر رمضان‏.‏

ثم تتبعهم بعد الأمان وأمسك منهم جماعةً كبيرة حتى إنه لم يخرج شهر رمضان حتى أمسك منهم أزيد من أربعمائة نفر وسجنهم بالبرج من القلعة‏.‏

وفي رابع شهر رمضان المذكور أفاق الوالد من مرضه وزينت دمشق ودقت البشائر بسائر البلاد الشامية حتى حلب وطرابلس وأرسل الأمير شيخ ونوروز إليه بالتهنئة فعظم ذلك أيضًا على الملك الناصر‏.‏

وفي هذا الشهر تأكد عند السلطان خروج شيخ ونوروز عن طاعته وبلغه أن نوروزًا قتل آق سنقر الحاجب فتحقق السلطان عصيان المذكورين‏.‏

ثم ذبح السلطان في ليلة ثالث شوال أزيد من مائة نفس من المماليك السلطانية الظاهرية المحبوسين بالبرج ثم ألقوا من سور القلعة إلى الأرض ورموا في جب مما يلي القرافة واستمر الذبح فيهم‏.‏

ثم في يوم الاثنين عاشر شوال عدى السلطان النيل إلى ناحية وسيم للربيع وبات به‏.‏

ورحل في السحر بعساكره يريد مدينة إسكندرية بعد ما نودي في القاهرة بألا يتأخر أحد من المماليك السلطانية بالقاهرة وأن يعدوا إلى بر الجيزة فعدوا بأجمعهم فمنهم من أمره السلطان بالسفر ومنهم من أمره بالإقامة‏.‏

ثم بعث السلطان الأمير طوغان الحسني الدوادار والأمير جانبك الصوفي وسودون الأشقر ويلبغا الناصري وجماعة من المماليك إلى عدة جهات من أراضي مصر لأخذ الأغنام والخيول والجمال حيث وجدت لكائن من كان فسار الأمراء وشنوا الغارات فما عفوا ولا كفوا‏.‏

ثم سار السلطان ببقية أمرائه وعساكره إلى الإسكندرية فدخلها في يوم الثلاثاء ثامن عشر شوال من سنة أربع عشرة المذكورة فقدم بها على السلطان مشايخ البحيرة بتقادمهم فخلع عليهم ثم أمسكهم وساقهم في الحديد واحتاط على أموالهم ففر باقيهم إلى جهة برقاء‏.‏

ثم قدم الأمراء وقد ساقوا ألوفًا من الأغنام التي انتهبوها من النواحي وقد مات كثرها فسيقت إلى القاهرة مع الأموال والجاموس والخيول‏.‏

ثم رسم السلطان أن يؤخذ من تجار المغاربة العشر وكان يؤخذ منهم قبل ذلك الثلث فشكر الناس له ذلك‏.‏

ثم خرج من الإسكندرية عائدًا إلى القاهرة وسار حتى نزل على وسيم في يوم السبت تاسع عشرينه‏.‏

وقد مات بسجن الإسكندرية الأمير خير بك نائب غزة فاتهم السلطان أنه اغتاله بالسم والصحيح أنه مات حتف أنفه‏.‏

ثم قدم كتاب الأمير نوروز الحافظي على السلطان على يد فقيه يقال له سعد الدين ومملوك آخر ومعهما محضر شهد فيه ثلاثة وثلاثون رجلًا من أهل طرابلس - ما بين قاض وفقيه وتاجر - بأنه لم يظهر منه بطرابلس منذ قدم إليها إلا الإحسان للرعية والتمسك بطاعة السلطان وامتثال مراسيمه وأن أهل طرابلس كانوا قد خرجوا منها في أيام جانم لما نزل بهم من الضرر والظلم فعادوا إليها أيام نوروز المذكور وأنه كلما ورد عليه مثال سلطاني يتكرر منه تقبيل الأرض وأنه حلف - بحضرة من وضع خطه - بالأيمان المغلظة الجامعة لمعاني الحلف أنه مقيم على طاعة السلطان متمسك بالعهد واليمين فلم يغتر السلطان بالمحضر ولا التفت إليه لما ثبت عنده من عصيانهما قلت‏:‏ ولهذه الأيمان الحانثة ذهب الجميع على السيف في أسرع مدة حتى إنني لا أعلم أن أحدًا من هؤلاء الأمراء مات على فراشه بل غالبهم تفانوا قتلًا على أنواع مختلفة لتجرئهم على الله تعالى‏.‏

وكان يمكنهم الخروج على الملك الناصر المذكور لسوء سيرته فيهم ثم يعودون إلى طاعته من غير أن يتعرضوا للأيمان والعهود والتلاعب بذلك في كل قليل وصار ذلك دأبًا لهم إلى أن سلط الله بعضهم على بعض فذهبوا كأنهم لم يكونوا - مع قوتهم وشدة بأسهم وفرط شجاعتهم - وملك بعدهم من لم يكن في رتبتهم ولا يدانيهم في معنى من المعاني ودانت له البلاد وأطاعته العباد وصفا له الوقت من غير معاند ولا مدافع‏.‏

‏"‏ ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب ‏"‏ ثم إن السلطان الملك الناصر بعد حضور هذا المحضر أخذ في الاهتمام للسفر‏.‏

ثم نزل من القلعة وعلى النيل في يوم الاثنين ثاني ذي القعدة وتوجه إلى الربيع وعاد من يومه إلى القلعة وهو في أناس قليلة‏.‏

ثم بعد عوده رسم بقتل الأمير جرباش العمري والأمير خشكلدي بثغر الإسكندرية فقتلا بها ودفنا بالثغر المذكور‏.‏

ثم في رابع عشر من ذي القعدة أنفق السلطان على المماليك السلطانية نفقة السفر فأعطى لكل نفر سبعين دينارًا ناصريًا وبعث للأمير الكبير دمرداش المحمدي ثلاثة الآف دينار ولكل من أمراء الألوف بألفي دينار ولأمراء الطبلخانات ما بين سبعمائة دينار إلى خمسمائة دينار‏.‏

ثم في ليلة الخميس رابع عشرين ذي القعدة طلب السلطان الأمير شهاب الدين أحمد بن محمد بن الطبلاوي فلما حضر إلى عنده ضرب عنقه بيده بعد أن قتل مطلقته بنت صرق بيده تهبيرًا بالسيف عند كريمتي بقاعة العواميد فإنها كانت يوم ذاك صاحبة القاعة‏.‏

وخبر ذلك‏:‏ أن السلطان الملك الناصر كان قد طلق خوند بنت صرق المذكورة ونزلت إلى دارها وكان له إليها ميل فوشى بها أن ابن الطبلاوي المذكور وقع بينه وبينها اجتماع وظهر له قرائن تدل على ذلك منها أنه وجد لها خاتم عنده‏.‏

فأرسل السلطان خلفها فلبست أفخر ثيابها ظنًا منها أن السلطان يريد يعيدها لعصمته‏.‏

قالت أختي خوند فاطمة‏:‏ وكان السلطان جالسًا عندي بالقاعة فلما قيل له جاءت خوند بنت صرق نهض من وقته وخرج إلى الدهليز وجلس به على مسطبة قالت‏:‏ فخرجت خلفه ولا علم لي بقصده فجاءت بنت صرق وقبلت يده فقال لها‏:‏ يا قحبة مراكيب الملوك تركبها البلاصية‏!‏ وقبل أن تتكلم ضربها بالنمجاة قطع أصابعها - وكانت مقمعة بالحناء - فصاحت وهربت فقام خلفها وضربها ضربةً ثانيةً قطع من كتفها قطعة‏.‏

وصارت تجري وهو خلفها - وقد اجتمع جميع الخوندات عندي بالقاعة للسلام على بنت صرق المذكورة - ولا زال يضربها بالنمجاة وهي تجري إلى أن دخلت المستراح فتمم قتلها في صحن المستراح ثم قطع رأسها وأخذها بدبوقتها - وفي آذانها الحلق البلخش الهائلة - وخرج إلى قاعة الدهيشة ووضعها بين يديه وغطاها بفوطة‏.‏

ثم طلب ابن الطبلاوي المقدم ذكره وأجلسه وكشف له عن الفوطة وقال له‏:‏ تعرف هذه الرأس فأطرق فضربة بالنمجاة طير رقبته ولفهما معًا في لحاف وأمر بدفنهما في قبر واحد‏.‏

قالت أختي خوند فاطمة‏:‏ وصار دم وقالت‏:‏ فو الله لما دخل الفداوية بقلعة دمشق على الملك الناصر ليقتلوه - وكان استصحبني معه لأعود الوالد في مرضه - فصارت الفداوية تضربه باالسكاكين وهو يفر من بين أيديهم كما كانت تفر بنت صرق أمامه وهو يضربها بالنمجاة‏.‏

وبقي دمه بحيطان البرج شبه دم بنت صرق بحيطان القاعة‏.‏

قلت‏:‏ فانظروا إلى هذا الجزاء الذي من جنس العمل - انتهى‏.‏

ثم أصبح السلطان أمر بخروج الجاليش من الأمراء إلى البلاد الشامية فخرجوا بتجمل عظيم - وعليهم آلة الحرب هم ومماليكهم - وعرضوا على السلطان وهم مارون من تحت القلعة والسلطان ينظر إليهم من أعلى القصر السلطاني وساروا حتى نزلوا بالريدانية خارج القاهرة في يوم الخميس رابع عشرين ذي القعدة من سنة أربع عشرة وثمانمائة وهم‏:‏ الأمير بكتمر جلق رأس نوبة الأمراء وصهر السلطان زوج ابنته وشاهين الأفرم أمير سلاح وطوغان الحسني الدوادار الكبير وشاهين الزردكاش بمضافيهم‏.‏

وكان السلطان قبل خروج الأمراء المذكورين - من عظم غضبه وحنقه على الأمير نوزوز الحافظي - جمع القضاة وطلق أخته خوند سارة بنت الملك الظاهر برقوق من زوجها الأمير نوزوز وزوجها للأمير مقبل الرومي - على كره منها بعد أن هددها بالقتل - بعقد ملفق من قضاة الجاه والشوكة‏.‏

فعظم ذلك على الأمير نوروز إلى الغاية ولم يحسن ذلك ببال أحد - ودام الأمراء بالريدانية إلى يوم السبت خامس ذي الحجة فرحلوا منها يريدون الشام‏.‏

ثم ركب السلطان في يوم الثلاثاء ثامن ذي الحجة ونزل من قلعة الجبل ببقية أمرائه وعساكره - والجميع عليهم آلة السلاح - بزي لم ير أحسن منه بطلب هائل جر فيه ثلاثمائة جنيب من خواص الخيل بالسروج الذهب التي بعضها مرصع بالفصوص المجوهرة المثمنه ومياثرها المخمل المطرز بالزركش وعلى أكفالها العبي الحرير المثمنة وفيها العبي المزركشة بالذهب وفيها بالكنابيش الزركش والكنابيش المثلثة بالزركش والريش واللؤلؤ وكلها باللجم المسقطة بالذهب والفضة والبذلات المينة والبذلات الذهب الثقيلة ومن وراء الجنائب المذكورة ثلاثة الآف فرس ساقها جشارًا ثم عدد كبير من العجل التي تجرها الأبقار وعليها الآت الحصار من مكاحل النفط الكبار ومدافع النفط المهولة والمناجيق العظيمة ونحو ذلك‏.‏

ثم خرجت خرانة السلاح - أعني الزردخاناه - على أكثر من ألف جمل تحمل القرقلات والخوذ والزرديات والجواشن والنشاب والرماح والسيوف وغير ذلك‏.‏

ثم خرجت خزانة المال في الصناديق المغطاة بالحرير الملون وفيها زيادة على أربعمائة ألف دينار وجميع الطبال والزمار - مماليكه مشتراواته - بالكلفتات وعليهم ططريات صفر وغالبهم قد ناهز الحلم بأشكال بديعة من الحسن وقد تعلموا صناعة ضرب الطبل والزمر وأتقنوه إلى ثم خرج حريم السلطان في سبع محفات قد غشيت بالحرير المخمل الملون ما خلا محفة الأخت فإنها غشيت بالزركش كونها كانت خوند الكبرى صاحبة القاعة ومن ورائهم نحو الثلاثين حملًا من المحاير المغشاة بالحرير والجوخ‏.‏

ثم خرج المطبخ السلطاني وقد ساق الرعيان برسمه ثمانيةً وعشرين ألف رأس من الغنم الضأن وكثيرًا من البقر والجاموس لحلب ألبانها فبلغت عدة الجمال التي صحبت السلطان إلى ثلاثة وعشرين ألف جمل وهذا شيء كثير إلى الغاية‏.‏

ثم سار السلطان من القاهرة حتى نزل بمخيمه من الريدانية تجاه مسجد التبن‏.‏

وهذه تجريدة السلطان الملك الناصر السابعة إلى البلاد الشامية وهي التي قتل فيها حسبما يأتي ذكره‏.‏

وهذه التجاريد خلاف تجريدة السعيدية التي انكسر فيها الملك الناصر من الأمراء وعاد إلى الديار المصرية ولم يصل إلى قطيا على أنه تكلف فيها إلى جمل مستكثرة وذهب له من الأثقال والقماش والسلاح أضعاف ما تكلفه في النفقة وغيرها‏.‏

وكانت تجريدته الأولى إلى قتال الأمير تنم الحسني الظاهري نائب الشام في سنة اثنتين وثمانمائة‏.‏

وتجريدته الثانية لقتال تيمورلنك في سنة ثلاث وثمانمائة‏.‏

والثالثة لقتال جكم من عوض في سنة تسع وثمانمائة بعد واقعة السعيدية‏.‏

والرابعة في سنة عشر وثمانمائة التي مسك فيها الأمير شيخًا المحمودي نائب الشام والأتابك يشبك الشعباني وحبسهما بقلعة دمشق وأطلقهما منطوق نائب قلعة دمشق‏.‏

والخامسة في محرم سنة اثنتي عشرة وثمانمائة وهي التي حصر فيها شيخًا ونوروزًا بصرخد‏.‏

والسادسة سنة ثلاث عشرة وثمانمائة وهي التي حصر فيها أيضًا شيخًا ونوروزًا بقلعة الكرك‏.‏

والتجريدة السابعة هذه‏.‏

فجملة تجاريده ثماني سفرات بواقعة السعيدية - انتهى‏.‏

ثم خرج الخليفة المستعين بالله أبو الفضل العباس والقضاة الأربعة وهم‏:‏ قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن البلقيني الشافعي وقاضي القضاة ناصر الدين محمد بن العديم الحنفي وقاضي القضاة المالكي وقاضي القضاة الحنبلي ونزل الجميع بالريدانية‏.‏

وتردد السلطان في مدة إقامته بالريدانية إلى التربة التي أنشأها على قبر أبيه بالصحراء خارج باب النصر وبات بها ليالي ونحر بها ضحاياه‏.‏

وجعل الأمير يلبغا الناصري نائب الغيبة بالقاهرة وجعل في باب السلسلة الأمير ألطنبغا العثماني وبقلعة الجبل الأمير أسنبغا الزردكاش شاد الشراب خاناه وزوج أخته خوند بيرم وولى نيابة القلعة للأمير شاهين الرومي عوضًا عن كمشبغا الجمالي وبعث كمشبغا الجمالي صحبة حريمه وقدمهم بين يديه بمرحلة‏.‏

ثم رحل السلطان من تربة أبيه قبيل الغروب من يوم الجمعة ثاني عشر ذي الحجة من سنة أربع عشرة وثمانمائة لطالع اختاره له الشيخ برهان الدين إبراهيم بن زقاعة‏.‏

وقد حزر ابن زقاعة وقت ركوبه وعوق السلطان عن الركوب - والعساكر واقفة - حتى دخل الوقت الذي اختاره له فأمره فيه بالركوب فركب السلطان وسار يريد البلاد الشامية ونزل بمخيمه من الريدانية وفي ظنه أنه منصور على أعدائه لعظم عساكره ولطالع اختاره له ابن زقاعة فكانت عليه أيشم السفرات فلعمري هل رجع الشيخ برهان الدين بن زقاعة المذكور بعد ذلك عن معرفة هذا العلم أم استمر على دعواه‏!‏‏.‏

وأنا أتعجب من وقاحة أرباب هذا الشأن حيث يقع لهم مثل هذا الغلط الفاحش وأمثاله ثم يعودون إلى الكلام فيه والعمل به - انتهى‏.‏

ثم استقل السلطان بالمسير في سحر يوم السبت ثالث عشر ذي الحجة‏.‏

وفي هذا الشهر انتكس الوالد ثالث مرة ولزم الفراش إلى أن مات حسبما يأتي ذكره‏.‏

وأما السلطان الملك الناصر فإنه قبل المسير حذر عسكره من الرحيل قبل النفير فبلغه وهو بالريدانية أن طائفة رحلت فركب بنفسه وقبض على واحد ووسطه ونصب مشنقةً فما وصل إلى غزة حتى قتل عدةً من الغلمان من أجل الرحيل قبل النفير فتشاءم الناس بهذه ثم سار حتى نزل مدينة غزة فوسط بها تسعة عشر نفرًا من المماليك الظاهرية وهو لا يعقل من شدة السكر‏.‏

وعقيب ذلك بلغه أن الأمراء الذين بالجاليش توجهوا بأجمعهم إلى شيخ ونوروز‏.‏

وكان من خبرهم أنهم لما وصلوا إلى دمشق دخلوا إلى الوالد وقد ثقل في الضعف وسلموا عليه وأخبره بكتمر جلق وطوغان أنهما بمن معهما يريدون التوجه إلى شيخ ونوروز فرجعهم الوالد عن ذلك فذكروا له أعذارًا فسكت عنهم‏.‏

فقاموا عنه وخرجوا بأجمعهم وتوجهوا إلى شيخ ونوروز - ما خلا شاهين الزردكاش - فإنه لم يوافقهم على الذهاب فمسكوه وذهبوا به إلى شيخ ونوروز‏.‏

ولما بلغ الملك الناصر ذلك ركب وسار من غزة مجدًا في طلبهم وقد نفرت منه القلوب حتى نزل بالكسوة في يوم الثلاثاء سلخ ذي الحجة فألبس من معه من العساكر السلاح ورتبهم بنفسه ثم سار بهم قاصدًا دمشق حتى دخلها من يومه وقت الزوال وقد خرج أعيان دمشق وعوامها لتلقيه وللفرجة عليه وزينت لقدومه دمشق‏.‏

ونزل بالقلعة بعد أن نزل عند الوالد بدار السعادة وسلم عليه وأمر زوجته خوند فاطمة بالإقامة عند الوالد‏.‏

ثم أصبح يوم الأربعاء أول محرم سنة خمس عشرة وثمانمائة خلع على القاضي شهاب الدين أحمد بن الكشك وأعاده إلى قضاء الحنفية بدمشق‏.‏

ثم شفع الوالد في القاضي ناصر الدين محمد بن البارزي فطلبه السلطان بدار السعادة وأطلقه من سجنه بقلعة دمشق‏.‏

ثم أفرج السلطان أيضًا عن الأمير نكباي الحاجب وكان الوالد قبض عليه وحبسه‏.‏

ثم دخل السلطان للوالد واستشاره في الملأ من الناس فيما يفعل مع هؤلاء الأمراء العصاة فقال له الوالد‏:‏ ياخوند تذبح في سنتك خمسمائة نفس وتتجرد في سنتك‏!‏ فرسك الذي تحتك عاص عليك فقال له الملك الناصر‏:‏ الكلام في الفائت فائت أيش تشير علي الآن فقال‏:‏ عندي رأي أقوله إن فعله السلطان انصلح به حاله قال‏:‏ وما هو قال‏:‏ ترجع من هنا إلى مصر فمن كان له إليك ميل عاد صحبتك ومن كان قد داخله الرعب منك فهو يفارقك من هنا ويتوجه إلى القوم فإذا دخلت إلى مصر ناد بالأمان وكف عن قتل مماليك أبيك وغيرهم وأغدق عليهم بالإحسان وأكثر إليهم من الاعتذار فيما وقع منك في حق غيرهم واسلك معهم قرائن تدل على صفو النية فبهذا تطمئن قلوب رعيتك ويعودون لطاعتك‏.‏

فإذا صار معك منهم ألف مملوك قهرت بهم جميع أعدائك لما شاع من إقدامك وشجاعتك ولعظم ما في قلب أعدائك من الرعب منك‏.‏

وأيضًا فإن هؤلاء الأمراء العصاة قد كثروا إلى الغاية فالبلاد الشامية لا تقوم بأمرهم فإما أن يقع بينهم الخلف على البلاد فيفترقوا وإما أن يتفقوا ويتجتمعوا على قتالك ويأتوك إلى مصر فاخرج إليهم والقهم برأس الرمل فإن انتصرت عليهم فافعل ما بدا لك وإن كانت الأخرى فاخرج إلى البلاد فمن قرا يوسف صاحب العراق إلى والي قطيا في طاعتك فما عندي غير هذا فاستحسن جميع عسكره هذا الرأي إلا هو فإنه لم يعجبه وسكت طويلًا ثم رفع رأسه وقال‏:‏ يا أطا أنا قتلت هذه الخلائق لتعظم حرمتي فإذا رجعت من هنا أيش يبقى لي حرمة وأنا أعرف بحال هؤلاء من غيري‏.‏

والله ما صفتهم قدامي إلا كالصيد المجروح والله إذا بقي معي عشرة مماليك قاتلتهم بهم ولا أطلب إلا أن يثبتوا ويقفوا ويقاتلوني حتى أنتصف منهم‏.‏

فقال له الوالد‏:‏ اعلم أنهم الآن يقاتلونك‏.‏

ثم طلبنا الملك الناصر أنا وإخوتي فأحضرونا بين يديه وكنا ستة ذكور فقبلنا يده - وأنا أصغر الجميع - فسأل عن أسمائنا فقيل له ذلك‏.‏

ثم تكلم الأتابك دمرداش المحمدي عن لسان الوالد بالوصية علينا فقال السلطان‏:‏ هؤلاء أولادي وأصهاري وإخوتي ما هذه الوصية في حقهم‏!‏ كل ذلك والوالد ساكت قد أسنده مماليكه لا يتكلم‏.‏

فلما قام الملك الناصر قال الوالد‏:‏ أودعت أولادي إلى الله تعالى واستعنت به في أمرتهم فنفعنا ذلك غاية النفع - ولله الحمد - مع ما أخذ لنا من الأموال التي لا تدخل تحت حصر عند هزيمة الملك الناصر من الأمراء ودخوله إلى دمشق‏.‏

ثم خرج السلطان الملك الناصر من دمشق بعساكره في يوم الاثنين سادس المحرم ونزل برزة‏.‏

ثم رحل منها يريد محاربة الأمراء ونزل حسيا بالقرب من حمص فبلغه رحيل القوم من قارا إلى جهة بعلبك فترك أثقاله بحسيا وساق أثرهم إلى بعلبك فوجدهم قد توجهوا إلى البقاع فقصدهم فمضوا نحو الصبيبة فتبعهم حتى نزلوا باللجون فساق خلفهم وهو سكران لا يعقل فما وصل إلى اللجون حتى تقطعت عساكره عنه من شدة السوق ولم يبق معه غير من ثبت على سوقه وهم أقل ممن تأخر‏.‏

وكان قد وصل وقت العصر من يوم الاثنين ثالث عشر المحرم من سنة خمس عشرة وثمانمائة فوجد الأمراء قد نزلوا باللجون وأراحوا وفي ظنهم أنه يتمهل ليلته ويلقاهم من الغد فإذا جنهم الليل ساروا بأجمعهم من وادي عارة إلى جهة الرملة وسلكوا البرية عائدين إلى حلب وليس في عزمهم أن يقاتلوه أبدًا لا سيما الأمير شيخ فإنه لا يريد ملاقاته بوجه من الوجوه‏.‏

فحال وصول الملك الناصر إلى اللجون أشار عليه الأتابك دمرداش المحمدي أن يريح خيله وعساكره تلك الليلة ويقاتلهم من الغد فأجابه السلطان بأنهم يفرون الليلة فقال له دمرداش المذكور‏:‏ إلى أين بقوا يتوجهوا يا مولانا السلطان بعد وقوع العين في العين يا مولانا السلطان مماليكك في جهد وتعب من السوق والخيول كلت والعساكر منقطعة فلم يلتفت إلى كلامه وحرك فرسه ودق بزخمته على طبله وسار نحو القوم وحمل عليهم بنفسه من فوره حال وصوله فارتضمت طائفة من مماليكه في وحل كان هناك‏.‏

ثم قبل اللقاء خرج الأمير قجق أحد أمراء الألوف بطلبه من مماليكه وعسكره وذهب إلى الأمراء وتداول ذلك من المماليك الظاهرية واحدًا بعد واحد والملك الناصر لا يلتفت إليهم ويشجع من بقي معه حتى التقاهم وصدمهم صدمة هائلة قتل فيها من عسكره الأمير مقبل الرومي أحد أمراء الألوف الذي زوجه الملك الناصر بأخته - زوجة الأمير نوروز - ثم قتل أحد خواصه من الأمراء وهو الأمير ألطنبغا شقل‏.‏

وتقهقر عسكره مع قلتهم فانهزم السلطان عند ذلك بعد أن قاتل بنفسه وساق يريد دمشق - وكان الرأي توجهه إلى مصر - وتبعه سودون الجلب وقرقماس ابن أخي دمرداش ففاتهما الملك الناصر ومضى إلى دمشق‏.‏

وأحاط القوم بالخليفة المستعين بالله وفتح الدين فتح الله كاتب السر وناظر الجيش بدر الدين حسن بن نصر الله وناظر الخاص أبن أبي شاكر واستولوا على جميع أثقال الملك الناصر وأمرائه‏.‏

وامتدت أيدي أصحاب الأمراء إلى النهب والأسر في أصحاب الملك الناصر وما غربت الشمس حتى انتصر الأمراء وقوي أمرهم‏.‏

وأذن المغرب فتقدم إمام الأمير شيخ شهاب الدين أحمد بن حسن بن الأذرعي وصلى بهم المغرب وقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة‏:‏ ‏"‏ واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون ‏"‏‏.‏

فوقعت هذه الآية الموقع الحسن كونهم كانوا في خوف وجزع وصاروا إلى الأمن والتحكم‏.‏

وباتوا تلك الليلة بمخيماتهم وهي ليلة الثلاثاء‏.‏

وأصبح الأمراء وليس فيهم من يرجع إليه بل كل واحد منهم يقول‏:‏ أنا رئيس القوم وكبيرهم فنادى شيخ بأنه الأمير الكبير ورسم بما شاء وناس نوروز أيضًا بأنه الأمير الكبير ورسم بما أراد ونادى سودون المحمدي بأنه الأمير الكبير وقد استولى على الإسطبل السلطاني بما فيه لنفسه ونادى بكتمر جلق بأنه الأمير الكبير‏.‏

قال الشيخ تقي الدين المقريزي - رحمه الله‏:‏ حدثني فتح الله كاتب السر قال‏:‏ بعث إلي الأمير شيخ ونوروز قالا لي‏:‏ كتب بما جرى إلى الديار المصرية وأعلم الأمراء به فقال لهما‏:‏ من السلطان الذي أكتب عنه‏.‏

‏.‏

‏.‏

فأطرق كل منهما ساعةً ثم قالا‏:‏ ابن أستاذنا ما هو هنا حتى نسلطنه - يريدان الأمير فرج ابن الملك الناصر فرج‏.‏

فلما رأى انقطاعهما قال‏:‏ الرأي أن يتقدم كل منكما إلى موقعه بأن يكتب عنه إلى الأمراء بمصر كتابًا بصورة الحال ويأمرهم بحفظ القلعة والمدينة ويعدهم بالخير ثم يكتب الخليفة كذلك‏.‏

فوقع هذا منهما الموقع الحسن وكتب كل منهما كتابًا وندب قجقار القردمي لحمل الكتب وجهز إلى مصر فمضى من يومه‏.‏

ونودي بالرحيل في يوم الأربعاء خامس عشره وليس عندهم خبر عن الملك الناصر ولا أين ذهب - انتهى‏.‏